تواعدنا والتقينا , وكعادتنا حمل كل منا زهرة بيده وعندما اقتربت مني ونظرت أليها أحنت رأسها فأرت أن أرفع رأسها واقبل جبينها كما كنت بالسابق فسمعت همسا في أذني يقول :
(( لم تفعل ذلكلم تعد رفيقة حبك أنها لغيرك ))
وعندها أنزلت يدي فنظرت أليه وعينيها تملأها الحيرة ولسان حالها يقول :
(( ما بال حبيبيأأنساه الفراقأم لم يعد يحبني كالسابق ))
وعندها تداركت الأمر فمددت لها يدي لتضع يدها في أحضان يدي ولتشعر بدفء راحة يدي ورفعت يها وقبلتها وهنا أغمضت ملاكي عينها فمدت يدي إلى وجهها لأداعب خدها بأصابعي فإذا بها ترفع رأسها وبصوت سحيق مرعوب تنادي عليه فابتسمت لها وقلت :
(( نعم يا ملاكي ؟))
فإذا بدمعة تنساب من عينها فأطبقت عينيها وأخفضت رأسها من جديد ولم تقل شيئا فرفعت يدي إلى شعرها لأمشط خصلاتها .
وفجأة أرتعش جسمها ونزل الدمع من عينها وشحبت ملامح وجهها وبصوت يملأه الهلع والحرقة سألتني :
(( ألا زلت تحبني كما كنت بالسابق ؟))
فأجبتها :
(( حبك زهرة في قلبي تتغذى من دقات قلبي وتشرب من دمي وروحها ذكراك وفي انقطاع حبك يكون حتفي وهلاكي ))
وهنا زادت رعشتها وأنهار سد عيونها فوقفت وألقت زهرتها وذهبت ناديت عليها فلم تجب أرت اللحاق بها فلم أستطع كأن قدماي غرست بالأرض وكأن دمي تجمد بشراييني .
فأمسكت زهرتها وقبلتها وعندها نقلتني ريحا إلى الماضي.
كم حملت تلك الحفلة التي جعلتني أراها لأول مره الكثير من الذكرى والنشوة في داخلي وأذكر ماذا حل بي حين تكحلت عيني برؤيتها وفتنني جمالها حيث أصبحت عيني كفراشة تطارد زهرة جمالها كما أنني سرت كمهرج لا هم له سوى نيل اهتمامها وإعجابها ومع انتهاء الحفل شعرت بأني كسفينة تاهت في الطريق تتجه نحو النور المنبثق من منارة عنوانها.
ومن ذلك اليوم أصبح حيها دربي ومستقر رحلاتي وكنت كلما أراها أخلق الأسباب والمبررات لكي أكلمها ومع تكرار المواقف تعرفت عليها وبدأت تجمعني بها بعض اللقاءات ومع الأيام أزداد إعجابنا وشوقنا لبعضنا وبدأت أشعر بأني أحبها وكنت أشعر بأنها تبادلني نفس الشعور
وفي أحدى اللقاءات عبرت لها عن حبي ومدى شوقي لها توقت أن ترسم البسمة على عيونها وعلى وجهها لكن ذلك لم يحدث فصمت قليلا فإذا بها تستأذنني بالذهاب وذهبت بدون أي تعليق وفي الميعاد التالي انتظرتها فلم تأتي لكنها ذهبت إلى الموعد الذي يليه وهكذا عادت مواعيدنا كالسابق
وفي أحد اللقاءات طلبت مني أثبات حبي ومدى شوقي لها وطلبت أن أبعث لها كل يوم بمرسال يعبر عن حبي وشوقي لها فسرت أسهر الليالي وأنا أخلط وصفات الغزل والغرام لكي أخرج لها بمرسالي عطرا يعجز العطارين من أهل الأدب بإخراج عطرا يضاهيه وكنت كلما نلتقي أخرج من لساني عسلا تنحني النحلات أمام روعته وجماله
وعندما عقدت العزم على الارتباط بها وأخبرتها بما أنوي خافت وأطربت كأنها غريقة وسط دوامات سحيقة وتحاول النجاة بأي طريقه لدرجة أنها لم تراعي بأنها أهنتني عندما عيرتني بقلة علمي وبفقري فغضبت منها وتركتها ومن بعدها لم أحضر إلى أي موعد لنا بالبستان ولم أستجيب لأي مرسال لها وبقيت على هذه الحال شهرا إلى أن حن وأشتاق قلبي لها من مراسيلها التي ملأت بعمق الندم وخالص الاعتذار وهكذا عادت لقاءاتنا كالسابق ومها عادت مراسيلنا
لكن بعد فتره تغيبت عن مواعيدنا شهرا وكنت خلالها أبعث المراسيل فلا يأتيني الرد أبحث عنها في نوافذ بيتها فلا أراها مما جعل قلبي يحتار ويقلق عليها وفي مره بينما كنت متوجها إلى عملي رأيتها فلحقت بها وطلبت منها الذهاب إلى البستان لأني لم أرغب أن أكلمها بالطريق خوفا عليها حاولت التهرب لا كنها مع إصراري استجابت لمطلبي وسبقتني ع البستان
وهناك أخبرتني بأنها كانت تقصد كل ذلك وتجاهد في سبيل أن يخف تعلقي بها ومع الأيام أنساها عندها صدمت من موقفها فبررت سبب ذلك بخوفها من أهلها ومن نظرة مجتمعها أليها أنها لا تنوي مواجهة كل ذلك في سبيل حبنا عندها شعرت بأن صدري قد فاق وبأن السد الذي يمنع دموعي سينهار فأخفضت رأسي وأطبقت عيني وعندها مدت يدها إلى شعري وقبلت رأسي وذهبت وتركتي وسط ضياعي ومحيط هذياني.
هذه الحادثة أسرتني أسبوع وسط أحزاني وكنت مخمورا بكأس ممزوج من القهر والضياع والهذيان إلى أن أتت نفسي إلى فكرة دفن أزهارها مكان ما كنا نلتقي بالبستان فسارت عندي عاده بأن أشتري كل أسبوع زهرة لأدفنها بالبستان .
وفي مره بينما كنت أدفن زهرتي فإذا بزهرة تسقط أمامي وكانت بيضاء اللون وعندها خفق قلبي وأرتعش جسمي وبلى شعور مني استدرت إلى الخلف فإذا بها أمامي حاولت أن أمثل عدم المبالاة بها لكن قلبي وعيني لم يستجيبوا لي فجلت بجانبي وأمسكت يدي وطلبت مني بأن أسامحها على ما بدر منها وما جرى وبأن زفافها جعلها تعي مدى عظيم جرمها احترت بما أجيبها لكنني باركت لها زفافها وأخبرتها بأني مسامحها على ما جرى منها عندها قبلت جبيني وذهبت والدمع يسري من خدها