بســـــم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم
نقلت الى حضراتكم هذه المعلومات من تفسير الامثل لتعم الفائدة ولنبدا بالنفس ونمحصها ونروضها لكي تكون في رحمة الله .
ـ
نستفيد من آيات القرآنالمجيد أنّ للنفس الإنسانية ثلاث مراحل:
1 ـ النفس الامارة: وهي النفس العاصيةالتي تدعو الإنسان إلى الرذائل والقبائح باستمرار، وتزيّن له الشهوات، وهذا ماأشارت إليه امرأة عزيز مصر حينما نظرت إلى عاقبة أمرها فقالت: (وما ابريء نفسي إنّالنفس لأمارة بالسوء).(1)
2 ـ النفس اللوامة: وهي ما اُشير إليها في الآيات التيورد البحث فيها، وهي نفس يقظة وواعية نسبياً، فهي تزل أحياناً لعدم حصولها علىحصانة كافية مقابل الذنوب، وتقع في شبك الآثام إلاّ أنّها تستيقظ بعد فترة لتتوبوترجع إلى مسير السعادة، وانحرافها ممكن، إلاّ أنّ ذلك يكون مؤقتاً وليس دائماً ولايمضي عليها كثير وقت حتى تعود إلى الملامة والتوبة.
وهذا هو ما يذكرونه تحت عنوان (الضمير الأخلاقي) ويكون هذا قوياً جدّاً عند بعض الأفراد، وضعيفاً وعاجزاًعند آخرين، ولكن النفس اللوامة لا تموت بكثرة الذنوب عند أي انسان.
3 ـ النفس المطمئنة: وهي النفس المتكاملة المنتهية إلى مرحلة الإطمئنان والطاعة والمنتهية إلىمقام التقوى والإحساس بالمسؤولية وليس من السهل انحرافها، وهذا ما ورد في وقولهتعالى: (يا أيّها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضيةمرضية)(2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ يوسف، 53.
2 ـ الفجر، 27 ـ 28.
على كل حال فإنّ النفس اللوامة كما قلنا هي كالقيامة الصغرى في داخل الروح والتي تقوم بمحاسبة الإنسان، ولذا تحس أحياناً بالهدوء والإستقرار بعد القيام بالأعمال الصالحة وتمتليء بالسرور والفرح والنشاط.
وبالعكس فإنّها تبتلي أحياناً بكابوس الرذائل والجرائم الكبيرة وأمواج الغم والحيرة، ويحترق بذلك باطن الإنسان حتى يتنفر من الحياة، وربّما يبلغ ألم الوجدان أنّه يقدم على تسليم نفسه إلىالمحاكم القضائية ليرتقي منصة الإعدام لخلاص نفسه من قبضة هذا الكابوس.
هذه المحكمة الداخلية العجيبة لها شَبَهٌ عجيب بمحكمة القيامة.
1 ـ إنّ القاضي والشاهد والمنفذ للأحكام واحد، كما في يوم القيامة: (عالم الغيب والشهادة أنت تحكمبين العبادك)(1).
2 ـ إنّ هذه المحكمة ترفض كلّ توصية ورشوة وواسطة كما هو الحالفي محكمة يوم القيامة، فيقول تعالى: (واتقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفس شيئاً ولايقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون)(2).
3 ـ إنّ محكمة الضميرتحقق وتدقق الملفات المهمّة بأقصر مدّة وتصدر الحكم بأسرع وقت، فلا استئناف في ذلك،ولا إعادة نظر، ولا تحتاج في ذلك شهوراً وسنين، وهذا هو ما نقرأهُ أيضاً في محكمةالبعث: (واللّه يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب)(3).
4 ـ مجازاتها وعقوباتهاليست كعقوبات المحاكم الرسمية العالمية، فإنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الزمر، 46.
2 ـ البقرة، 48.
3 ـالرعد، 41.
شرر النيران تتقد في الوهلة الاُولى في أعماق القلب والروح، ثمّ تسري إلى الخارج، فتعذب روح الإنسان أوّلاً، ثمّ تظهر آثارها في الجسم وملامح الوجه وطبيعة النوم والأكل، فيعبّر تعالى عن ذلك في قوله: (نار اللّه الموقدة التي تطّلع على الأفئدة)(1).
5 ـ عدم إحتياج هذه المحكمة إلى شهود، بل إنّ المعلومات التي يعطيها الإنسان المتهم بنفسه والذي يكون شاهداً على نفسه هي التي تقبل منه، نافعةكانت لهُ أم ضارة! كما تشهد ذرات وجود الإنسان حتى يداه وجلده على أعماله في محكمةالبعث فيقول تعالى: (حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهموجلودهم)(2).
وهذا التشبيه العجيب بين المحكمتين دليل آخر على فطرية الإعتقادبالمعاد، لأنّه كيف يمكن أن يكون في الإنسان الذي يعتبر قطرة صغيرة في محيط الوجودالعظيم هكذا حساب ومحاكم مليئة بالرموز والأسرار في حين لا يوجد حساب ومحاكم في هذاالعالم الكبير؟ فهذا ما لايصدق.
2 ـ أسماء القيامة في القرآن المجيد
إنّ قسماً مهمّاً من معارف القرآن ومسائله العقائدية يدور حول محور القيامة والبعث،لأنّ له تأثيراً مهمّاً في تربية الإنسان وتكامل سلوكه، ولهذا اليوم العظيم أسماءكثيرة في القرآن، وكل منها تبيّن بعداً من أبعاد ذلك اليوم، يمكن أن تكون هذهالأسماء بحدّ ذاتها انعكاس للكثير من المسائل المعتلقة بهذا الجانب.
يقول المرحوم الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء: «إنّ تحت كلّ اسم من هذه الأسماء سرّخفي، ولكل نعت معنىً مهم لابدّ من السعي الجاد لإدراك هذه
ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الهُمزة، 6 ـ 7.
2 ـ سورة فصلت، 20.
المعاني ومعرفة أسرارها، فقدذكر أكثر من فئة اسم ليوم القيامة يمكنالإستفادة منها أو من أكثرها في القرآن المجيد، كيوم الحسرة، يوم القيامة، يوم المحاسبة، يوم المسألة، يوم الواقعة، يو القارعة، يوم الراجفة، يوم الرادفة، يومالطلاق، يوم الفراق، يوم الحساب، يوم التناد، يوم العذاب، يوم الفرار، يوم الحق،يوم الحكم، يوم الفصل، يوم الجمع، يوم الدين، يوم تبلى السرائر، يوم لا يغني مولىعن مولى شيئاً، يوم يفر المرء من أخيه، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يومالتغابن...»(1).
ولكن أشهر أسماء ذلك هو اليوم «يوم القيامة» الذي ذكر سبعينمرّة في القرآن، ويحكي عن قيام عامّة العباد والبعث والعظيم للناس، والتوجه إلى ذلكاليوم يدفع الناس لأداء وظائفهم وتكاليفهم في هذه الدنيا.
وباعتقادنا أنه يكفي للانتباه من نوم الغفلة والغرور والأخذ بعنان وزمام النفس العاصية وتربيتهاوتعليمها أن نتفكر في هذه الأسماء ونتصور حالنا في ذلك اليوم، يوم يحضر الجميع أماماللّه العظيم وترفع الستائر وتظهر الأسرار وتتزين الجنان وتتوقد جهنم، ويحضر الجميع عند ميزان العدل الإلهي.