الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين:
فلقد استمعت لعدد من البرامج وكلام بعض الشيوخ النافين لدخول الجان بالإنسي، وأنَّ تصديق ذلك محض خرافة وخبط من القول ما أنزل الله به من سلطان، وأنَّ من يصدِّق ذلك فإنَّما يصدق الخرافات والخزعبلات، وبعيداً عن تسمية الأشخاص بأعيانهم، ولضرورة تبيان خطأ هذا القول ولرواجه في هذا الزمن (وبالذات) عبر بعض المنتسبين للعلم والمشيخة، فإنَّ من الضرورة التنبيه على خطأ النافين لدخول الجان في بدن الإنسان بعد مشيئة الله وقدرته.
فالقول الذي يعتقده أهل السنة والجماعة ديانة لله تعالى، أنَّ الجني يتلبَّس الإنسي وينطق على لسانه ويتحدث فيه ويؤذيه.
وقد أجمع على ذلك علماء أهل السنة والجماعة، ولم يخالف في هذا إلا الفرق الضالة كالشيعة والمعتزلة, وقد نقل الإجماع على هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية عن جميع أهل العلم, وذكر عن أبي الحسن الأشعري أنه نقل ذلك عن أهل السنة والجماعة، ونقل ذلك أيضا عن أبي الحسن الأشعري العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي المتوفي سنة 799 هـ في كتابه [آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان] في الباب الحادي والخمسين من كتابه المذكور, ولأجل ذلك يقول العلامة ابن حجر الهيثمي (توفي سنة 974هـ): "فدخوله (أي الجني) في بدن الإنسان هو مذهب أهل السنة والجماعة".
* الأدلة من القرآن:
1) من الأدلة على تلبس الجني بالإنسي المراد الدخول به ما في كتاب الله تعالى قوله تعالى {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
قال الإمام القرطبي في تفسيره عند هذه الآية:"في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن، وزعم أنَّه من فعل الطبائع, وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس".
وقد تحدثَّ العلامة السيد محمود أفندي الألوسي عن المس الشيطاني للإنسان مستشهداً بقوله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} سورة البقرة: (275) ثم قال: "واعتقاد السلف وأهل السنة أن ما دلت عليه أمور حقيقة واقعة، كما أخبر الشرع عنها، والتزام تأويلها كلها يستلزم خبطاً طويلاً لا يميل إليه إلا المعتزلة ومن حذا حذوهم، وبذلك ونحوه خرجوا عن قواعد الشرع القويم، فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون".
ويقول سيد قطب "إن صورة الممسوس المصروع صورة معروفة معهودة عند الناس، والنص القرآني يستحضرها لتؤدي دورها الإيجابي في إفزاع حس الإنسان المرابي واستجاشة مشاعره"
2) ومن الادلة على ذلك من كتاب الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (سورة الأعراف – الآية 201)
قال ابن كثير: {إذا مسهم أي أصابهم طيف، وقرأ الآخرون طائف، وقد جاء فيه حديث، وهما قراءتان مشهورتان, فقيل: بمعنى واحد، وقيل: بينهما فرق ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه} (تفسير القرآن العظيم – 2 / 267)
* الأدلة من السنة:
1) ومن الأدلة من السنة ما ورد عن عطاء بن رباح قال: قال لي ابن عباس - رضي الله عنه –: "ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت: بلى، قال هذه المرأة السوداء، أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة, وإن شئت دعوت الله أن يعافيك؟ فقالت: أصبر, فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف. فدعا لها" (متفق عليه) قال الحافظ بن حجر في الفتح: (وعند البزار من وجه آخر عن ابن عباس في نحو هذه القصة أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجردني, - والخبيث هو الشيطان - فدعا لها, فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها، ثم قال: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أن الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من صرع الخلط انتهى) (فتح الباري – 10 / 115) وقد قال الحافظ ابن كثير عن الحديث الذي في مسند البزَّار: له شاهد في صحيح البخاري ومسلم، كما في البداية والنهاية: 6/298.
2) عن عثمان بن العاص - رضي الله عنه - قال: "لما استعملني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الطائف, جعل يُعرض لي شيء في صلاتي, حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك, رحلت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ابن أبي العاص؟) قلت: نعم! يا رسول الله! قال: (ما جاء بك؟) قلت: يا رسول الله! عُرض لي شيء في صلواتي, حتى ما أدري ما أصلي. قال: (ذاك الشيطان. ادنه) فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي. قال: فضرب صدري بيده, وتفل في فمي، وقال: (أخرج عدو الله!) ففعل ذلك ثلاث مرات. ثم قال: (الحق بعملك) (أخرجه ابن ماجة في سننه - كتاب الطب (46) – برقم (3548), وصححه الحاكم في المستدرك، وصححه البصيري في " مصباح الزجاجة " – 4 / 36– السنن)، وقال الألباني حديث صحيح, انظر: صحيح ابن ماجة 2858, وصححه الدكتور بشار عواد معروف.
3) عن يعلى بن مرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه أتته امرأة بابن لها قد أصابه لمم – أي طرف من الجنون - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :"أخرج عدو الله أنا رسول الله" قال: فبرأ، فأهدت له كبشين وشيئا من أقِط وسمن, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا يعلى خذ الأقط والسمن وخذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر) أخرجه أحمد والطبراني وذكره التبريزي في مشكاته وقال: صحيح لشواهده، وقد ذكره الإمام ابن كثير في (البداية والنهاية (6/ 146) ضمن أحاديث أخرى ثم قال بعدها: (فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع عند المتبحر أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة)
4) عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه, فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب) (صحيح أبو داوود 1375) (صحيح الجامع 426) وهذا يدل على أن الجني يدخل في الإنسان حالة غفلته.
قال الحافظ في الفتح: (فيحتمل أن يراد الدخول حقيقة, وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم, لكنه لا يمكن منه ما دام ذاكرا الله تعالى, والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر, فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة, ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه, لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه) (فتح الباري – 10 / 628)
5) وجاء في حديث أسامة بن زيد قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حجها, فلما هبطنا بطن الروحاء، عارضت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة [معها صبي لها] فسلمت عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوقف لها, فقالت: يا رسول الله، هذا ابني فلان, والذي بعثك بالحق مازال في خنق واحد منذ ولدته إلى الساعة (أو كلمة تشبهها)، فاكتنع ـ أي: حضر ودنا ـ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبسط يده، فجعله بينه وبين الرحل, ثم تفل في فيه, ثم قال: اخرج عدو الله فإني رسول الله, ثم ناولها صلى الله عليه وسلم إياه، فقال: خذيه فلن ترى معه شيئا يريبك بعد اليوم إن شاء الله تعالى. قال أسامة رضي الله عنه: وقضينا حجتنا ثم انصرفنا, فلما نزلنا بالروحاء فإذا تلك المرأة أم الصبي, فجاءت ومعها شاة مصلية فقالت: يا رسول الله, أنا أم الصبي الذي أتيتك به, قالت: والذي بعثك بالحق ما رأيت منه شيئا يريبني إلى هذه الساعة. قال أسامة رضي الله عنه: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أسيم، (قال الزهري: وهكذا كان يدعوه به) ناولني ذراعها. قال: فامتلخت (أي: انتزعت) الذراع فناولتها إياه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأكلها صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا أسيم, ناولني الذراع، فامتلخت الذراع فناولتها إياه، فأكلها صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا أسيم, ناولني الذراع. فقلت: يا رسول الله, إنك قد قلت: ناولني فناولتكها فأكلتها, ثم قلت: ناولني فناولتكها فأكلتها, ثم قلت: ناولني الذراع, وإنما للشاة ذراعان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو أهويت إليها ما زلت تجد فيها ذراعا ما قلت لك. ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا أسيم, قم فاخرج فانظر هل ترى مكانا يواري رسول الله صلى الله عليه وسلم . فخرجت فمشيت حتى حسرت وما قطعت الناس و[ما] رأيت شيئا أرى أنه يواري أحدا وقد ملأ الناس ما بين السدين, فأخبرته, فقال صلى الله عليه وسلم: فهل رأيت شجرا أو رجما؟ قلت: بلى, قد رأيت نخلات صغارا إلى جانبهن رجم من حجارة. فقال صلى الله عليه وسلم: يا أسيم, اذهب إلى النخلات فقل لهن: يأمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق بعضكن ببعض حتى تكن سترة لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقل [ذلك للرجم]. فأتيت النخلات فقلت لهن الذي أمرني به, فوالذي بعثه بالحق، لكأني أنظر تعاقرهن بعروقهن وترابهن حتى لصق بعضهن ببعض, فكن كأنهن نخلة واحدة, وقلت ذلك للحجارة, فوالذي بعثه بالحق، لكأني أنظر إلى تعاقرهن حجرا حجرا حتى علا بعضهن بعضا, فكن كأنهن جدار, فأتيته صلى الله عليه وسلم فأخبرته, فقال صلى الله عليه وسلم: خذ الإداوة, فأخذتها, ثم انطلقنا نمشي, فلما دنونا منهن سبقته صلى الله عليه وسلم فوضعت الإداوة, ثم انصرفت إليه، فانصرف صلى الله عليه وسلم حتى قضى حاجته, ثم أقبل عليه الصلاة والسلام وهو يحمل الإداوة, فأخذتها منه، ثم رجعنا, فلما دخل صلى الله عليه وسلم الخباء قال لي: يا أسيم, انطلق إلى النخلات [فقل لهن]: يأمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترجع كل نخلة إلى مكانها, وقل ذلك للحجارة. فأتيت النخلات فقلت لهن [الذي] قال, فوالذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلى تعاقرهن بترابهن حتى عادت كل نخلة إلى مكانها، وقلت ذلك للحجارة, فوالذي بعثه بالحق، لكأني أنظر إلى تعاقرهن حجرا حجرا حتى عاد كل حجر إلى مكانه, فأتيته صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك.
أخرجه البيهقي في الدلائل :(6/25 ـ 26) وأخرجه أبو نعيم في الدلائل كذلك برقم (298) وأخرجه البوصيري في زوائد العشرة، وحكم ابن حجر على هذا الحديث في المطالب العالية (4/197) فقال: إسناده حسن.
6) ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود عن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال صلى الله عليه وسلم "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو شيئا").
وقد استدل بهذا الحديث على قدرة الجن سلوك بدن الإنسان جماعة من علماء وأئمة أهل السنة والجماعة، منهم: القرطبي في تفسيره، وابن تيمية في فتاويه، وابن حجر الهيثمي وردَّ به على المعتزلة منكري ذلك، والبقاعي في تفسيره، وابن حجر العسقلاني في بذل الماعون، والعلامة موفق الدين بن عبد اللطيف البغدادي، والقاسمي في تفسيره، وحكى النووي أن بعض علماء الشافعية استدلوا بالحديث على أن الله جعل للشيطان قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجاري دمه.
فهل كل هؤلاء العلماء يأخذون بالخرافات التي يدعيها غيرهم على من يقول بدخول الجان في بدن الإنسان؟
* دليل المشاهدة والحس:
دخول الجني بالإنسي الذي يريد ويتقصد الدخول فيه أمر واضح ومشاهد عيانا بياناً، وأروي قصةَّ وقعت أمام عيني قبل عشر سنوات، حيث كنت في المسجد الحرام، وكانت هنالك امرأة تطوف حول الكعبة، وكان زوجها معها، وقد كانت تقرأ القرآن وسورة الإخلاص كما تحدث بذلك زوجها أمام ملأ من الناس، فحينما كانت تقرأ القرآن صُرِعَت وألقي بها على الأرض، فبدأت تتكشَّف، وذلك من شدة وقع الآيات التي كانت تقرؤها وقوة هذه الآيات على ذلك الجني المتلبس بها، حتى جاء بعض الفضلاء من حفظة القرآن والرقاة وقاموا يقرؤون عليها، فبدأت تدفعهم دفعاً شديداً، ولقد رأيت بأم عيني أكثر من سبعة رجال قد وضعوا عليها عدداً من سجاجيد المسجد الحرام الثقيلة وهي تدفعهم دفعاً شديداً، وكل واحد منهم يضغط على جزء من جسدها من فوق السجاجيد ومعهم زوجها، وهي تدفعهم بقوَّة، ثم بدأ الجني ينطق، وقد سمعته بأذني، وكان صوته صوت رجل يتحدث على لسانها, وكان يقول لمن يقرأ عليه لقد أحرقتني بالآيات القرآنية، فمضى القارئ للقرآن يقرأ عليها الآيات وذلك الجني يتكلم ويحاول أن يستغفل ذلك القارئ لكي يخف عليه ما يجده من ألم من قوة الآيات القرآنية التي يقرأ بها عليها.
ومن الادلة التي تشهد بذلك في عصر الصحابة ما قاله محمد بن سيرين: (كنا عند أبي هريرة – رضي الله عنه – وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط فقال: بخ بخ, أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني وإني لَأَخِرُّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي, فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون، وما بي من جنون, ما بي إلا الجوع) (فتح الباري – 13 / 303)
ووجه الدلالة واضح، وهو أنَّ من مرَّ من الصحابة رضوان الله عليهم بأبي هريرة كان يظنه مجنونا فيضع رجله على رقبته؛ لأن من علاج الجن وإخراجهم الضرب حتى يخرج من بدن المصروع, ولهذا قال الذهبي معقبا على الأثر آنف الذكر: (كان يظنه من يراه مصروعا, فيجلس فوقه ليرقيه أو نحو ذلك) (سير أعلام النبلاء – 2 / 590 – 591)
لهذا نقل ابن تيمية عن الإمام أحمد قائلاً له ابن عبد الله: (قلت: لأبي إن أقواما يقولون: إن الجني لا يدخل بدن المصروع, فقال: يا بني, يكذبون . هو ذا يتكلم على لسانه), وهذا الذي قاله أمر مشهور, فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه, ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما, والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله، وقد يجر المصروع غير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول الآلات وينقل من مكان إلى مكان, ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان. وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع, ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع, وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك).ا هـ .
وقال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في كتابه [إيضاح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين] الموجود في مجموع الفتاوى جـ 19 ص 9 إلى ص 65 ما نصه بعد كلام سبق: (ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر الرازي وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع، ولم ينكروا وجود الجن, إذ لم يكن ظهور هذا في المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون أن الجني يدخل في بدن المصروع, كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي، فقال يا بني، يكذبون، هو ذا يتكلم على لسانه. وهذا مبسوط في موضعه).
قال ابن القيم في كتابه زاد [المعاد في هدي خير العباد المجلد الرابع صفحة 66ـ 99]: "شاهدت شيخنا ـ يقصد ابن تيمية ـ يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه ويقول: قال لك الشيخ اخرجي فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع"
فما حجَّة القائلين بهذا بعد هذا؟
فإن قالوا هذه خرافات، فإنا نقول إنَّ الخرافة هي تكذيب لأمر ملاحظ ومشاهد حسا وبيانا. ولكننا نلحظ ذلك دليلا أثراً من القرآن والسنَّة، ونظراً بمشاهدة ذلك حساً وواقعاً معاينا، بل القول بخلاف ذلك نقض للعقلانية ممَّن يدعي العقلانية!!
والله ولي التوفيق.